أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟!

ينشط في أوساط المبتعثين –والمسافرين عموماً إلى الدول الأوربية والأمريكية – كثرة المقارنات بين تيك البلدان وبين بلدانهم  الأصل، ويكثر بينهم الإعجاب والإكبار لما يشاهدونه هناك، ويتمنون –تمنياً- أن تُطبَّق أمورٌ يرونها فاضلة في بلدانهم، ويظل الأمر في حيز التمني والترجي، ولا يحركها إلى حيز التنفيذ والتطبيق إلا قلة من بين ثلة المتمنين، فيقرنون بالقول الفعل!.

المزيد...

هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل

استقبلت اليوم زميلاً جديداً عائداً للتو من بعثته الدراسية، وتحدثنا في شؤون شتى، وجاءني هذا الزميل بحديث يناسب سوقه هنا كمثالٍ ذي صلة وثيقة بهذا الموضوع. تحدث الزميل عن استخدام الدراجة الهوائية في بلد بعثته، ولا فرق هناك بين الناس في استخدامهم للدراجات الهوائية، فتنتفي بينهم المكانات الاجتماعية، والمراكز العلمية… وأكثر زميلي وأكبر الحديث، وحاولت جذبه للحديث عن إمكانية استخدام دراجة هوائية كوسيلة نقل إلى مقر عمله في جده! هنا انقلب حديث الإكبار إلى إصغار،  فلا أحد يطبق هذا الأمر هنا، ولا يوجد متواضعون، والفوضى تعم المكان، وتتعدى الزمان… فسألته: ولم لا تكون أنت من يُطبق ما أعجبك وما حدثتني عنه في بلد بعثتك؟! فانفرطت سبحة الأعذار لديه، فلا مكان لأمر رآه حسناً أن يجد طريقاً في بلده!.

من هنا يأتي الفرق بين التنظير والتطبيق، فالكثير لا يفتأ تذمراً من الناس، ويريدهم أن ينتظموا، وينضبطوا، ويستقيموا… ولا ينظر إلى ذاته أولاً؛ وما ذاك إلا أن التنظير أسهل من التطبيق!. ولكن الحكيم إذا صادف أو مر بأمر سلبي؛ تجنبه في ذاته، فإذا راجع دائرة حكومية، وتأخر الموظف أو تعنت في إنجاز معاملته، انعكس ذلك على عمله، فيبذل جهده لتخليص معاملات الناس، وانضبط في وقت دوامه، وإذا تأذى من فوضى مرور السيارات، شد خطام مركبته، لئلا تؤذي غيره، وإذا أزعجه نثر الأحذية أمام أبواب المساجد، انضبط في وضع حذائه في مكان مخصص ووجه أولاده بذلك… فهكذا ينضبط السلوك العام بانضباط سلوك الأفراد. أما من يريد الجلوس على أريكته متحدثاً منظراً، فالأمر هين لين، والكل يستطيع فعل ذلك، وما هو بمسمع أحد. ومن هنا يأتي ندائي لكل من ينادي بأمر إيجابي وتلافي أمر سلبي، أن ينادي بعمله لا بقوله، ليحصحص الحق ويتميز الصادقون!.

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة، أترككم في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

www.shm3h.info/?p=1280

About the author

أسكن مدينة جدة أعمل في جامعة الملك عبدالعزيز www.youtube.com/shm3hTube

Related Posts

4 Responses
  1. لا حول ولا قوة إلا بالله، يذكرني هذا بالنصوص التالية: الناس كإبل المائة لا تكاد تجد منهم راحلة، وكذلك قوله صلوات ربي عليه: لا تكن إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم ..الحديث.

    أما في مجال العلم والعمل فلا أجد أفضل من قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) وقول الرسول صلوات الله عليه (لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع وذكر منها وعن علمه ماذا عمل به)

  2. أحسنت هلال
    *********
    الأسوأ من تجدهم يتحدثون في مثالب العرب والمسلمين؛ وهم أصلاً لم يقدموا شيئًا للإسهام في تعديل واقع سيئ، فصارات أصواتهم عبئًا على عبء!.

    يروق لي كثيراً منهج الدكتور عبدالكريم بكار، فهذا الرجل ظل يعمل طويلاً، ليخرج بمشروعه الفكري المتمثل في مؤلفاته، فمنهجه لا يعتمد على النقد فقط، فهو يوضح المشكلة وينقدها ومن ثم يقديم مشروعه الذي يرى أنه سيصحح الوضع. فمثل هذا الرجل حتى بعد مغادرته الدنيا -بعد عمر طويل على عمل صالح- ترك إرثاً يستفيد الناس منه، في حين غيره لم يتقن غير تحريك لسانه في المثالب والعيوب، فبمغادرته الدنيا لن يجد الناس له أثراً أو فائدة، بل سيرتاحون من ضجيج صوته!.

  3. أحد الأمثلة المتعلقة بهذا الموضوع والتي تخص الدراجات الهوائية؛ دون عنها حسام في مقالته: (أحمد الشقيري لا يعرف القيادة المركبية)، ومع احترامنا للأستاذ أحمد، إلا أنه لم يأت بجديد حينما ذهب للتصوير في هولندا مركزاً على الأمور الإيجابية لديهم، ويأتي في آخر التصوير ليصور دراجي جدة مركزاً على السلبيات التي تواجههم! وطلع لنا في الأخير -كما يبدو من المقطع- أن هذه هي المرة الأولى التي يركب فيها أحمد دراجة!.

    لو تساءلنا: هب أنَّ فريق الجاريات بقى يندب حظ الدراجات الهوائية بالسعودية، وظل يطالب بالمسارات، واستمر ينتقد حركة المرور… هل سيتغير شيء؟! هذه المبادرة العملية التي قام بها فريق الجاريات، إنشاءً للموقع، وتدريباً للأفراد، ومساهمةً في إنشاء المجموعات… كلها أمور نقلتنا من حيز التنظير إلى حيز التنفيذ. وأتصور أن هذا الموقع بات مصدراً مهماً لمعلومات الدراجات الهوائية والتنقل بها في العالم العربي، وأشك أن يكون هناك دراجاً في السعودية ولا يعلم عن موقع الجاريات.