الشارع والشريعة والأعمى

أعمى البصر

وعاظنا يجتهدون في تذكير الناس بأهمية الصلاة، ويستشهدون بدلائل كثيرة ومنها حديث الأعمى الذي استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة في البيت لأنه أعمى البصر، وخلاصة الحديث أن الرسول تراجع عن إعطاءه الأذن بالصلاة في المنزل وأن عليه الإجابة طالما يسمع النداء. ولكن القلة منا يدرك أن لهذا الحديث فائدة أخرى ومبدأ عظيم في الإسلام يحفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوق الناس، بل ويعلمنا معنى الحضارة. الحديث المنشود:

وحدثنا قتيبة بن سعيد وإسحق بن إبراهيم وسويد بن سعيد ويعقوب الدورقي كلهم عن مروان الفزاري قال قتيبة حدثنا الفزاري عن عبيد الله بن الأصم قال حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب

هل يعي رسول الله الموحى إليه ماذا يقول؟ وما ينطق عن الهوى! هذا أعمى وصلاة الجماعة في المسجد، كان من المفترض أن يسأله أسئلة عقلية مختلفة، مثلا يسأله، ألك حمار؟ ألك جار يساعدك يمر عليك؟ ألك عصا بيضاء لامعة؟ ألك خوذة؟ ألك سيارة مع سائق؟ ألك جهاز ملاحة سمعي وكلبا مدربا يساعدك على الوصول بسلام؟ لم يسأله هذه الأسئلة العقلية التي منها نستطيع أن نقول لك، أنت معذور، صل في البيت!
 
ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفترض أن الطرق آمنة وجاهزة للمكفوفين. بل يفترض الرسول صلى الله عليه وسلم أن طريق المسجد تستطيع الوصول إليه من غير تكلفة أيضا، فإذا سمعت الأذان، فيكفيك الأذن، والبصر ليس ضروريا! 
وجاءت سيارة! جاء نظام المرور السعيد، ولكنه لم يطلع على هذه الأمور، فأخذ حقوق الناس، وأعطاها للسيارة وبائعها ومسوقها. كان الأعمى في السابق يعتمد على سمعه في الوصول إلى المسجد بأمان ومن غير تكلفة، أما الآن، فإن صديقي الأعمى لن لا يستطيع الذهاب إلى المسجد بأذنه، بل يحتاج الآن إلى 60 ألف ريال (لشراء سيارة) و1000 ريال شهريا أجرة السائق. فرق بين حضارة تفرض التكاليف على الناس باسم التطور وحضارة تجعل الأعمى كالماشي في تنقله الآمن الرخيص!
 
الكثير سيعتقد جزما أن المشكلة ثقافية، أو أن البلدية هي المشكلة لأنها لو توفر مسارات خاصة، أو ضعف الرقابة وضعف المسؤول، أو أن المشكلة في هندسة مدننا. لا نشارك هذا التوجه، وليست المشكلة في المجتمع ولا البنية التحتية، المشكلة في أمرين: الأول نظام المرور الذي يعطي السيارة الأولوية ويخالف شريعة الإسلام في ذلك، والثاني هو ضعف القضاء الذي لا ينظر إلى قضايا حقوق الطريق. إذا أصلحت الأمرين، ستسعى البلدية والمهندسون والمجتمع إلى تصحيح الوضع. الشريعة هي الحل!
 
وبعد سلب البلديات وإدارات المرور لحقالأعمى من طريقه الذي كفله الإسلام، فالظالم عليه تعويض الأعمى بكل الوسائل التي تجعله يتنقل إلى المسجد بأمان ومن غير تكلفة، فلو لم يكن للأعمى إلا أن يستخدم سيارة وسائقا، فإن إدارة المرور والبلديات عليها توفير سيارة مجانية مع وقودها وسائقها فرضا وليس صدقة!
 
 
وللمزيد: 
 
About the author

مؤسس موقع الجاريات محاضر نظم معلومات في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

Related Posts

5 Responses
  1. ابو خالد

    مشكور اخي حسام على هذا الجهد، وارجو أن تساهم هذه المدونة في نشر الوعي بحقوق الطريق للأصحاء فضلاً عن الاعماء والاصم. حقيقة تذكرت حادثة حصلت معي أمس وهي أنني كنت متجهاً بسيارتي إلى المنزل وحينها كنت أسير على طريق الملك فهد فهممت بالدخول إلى طريق الملك عبدالله عبر مسار الخدمة لكنني توقفت بسيارتي قليلاً لأني رأيت رجل يريد عبور الطريق ولكن بالتعبير العامي محد عطاه وجه وعلامات الحيرة تعلو محياه لا يعلم ماذا يصنع وكأنه يلعن الساعه اللي مشى فيها في هالديره، فأوقفت سيارتي للحظات قليلة جدا ليعبر هذا الرجل وخلال ذلك وفجأة انطلقت نحوي منبهات السيارات التي خلفي تقرعني وتلومني على الوقوف للرجل وشعرت كأني ارتكبت جريمة في حقهم فحركت سيارتي فوراً بعد عبور الرجل الغلبان ولو أطلت الوقوف أكثر لنشبت معركة بيني وبينهم قد يهرق من أجلها كثير من دماء الابرياء ويمكن تصير مظاهرات ويمكن يصير فيه عجز في الميزانية ولا يعطونا اجازة وراتبين 🙂 🙂 ): المقصود من السالفة ان حقوق الطريق مضروبة ، وبالتوفيق للجميع.

    1. صحيح يا أباخالد، بسبب نظام المرور، أصبح الكثير يعتقد أن السيارة أولى… في مرة من المرات فعلت مثلك بالضبط، وأخذت أصوات السيارات خلفي تصيح.. فما كان مني إلا نزلت من سيارتي ثم أشرت إلى السيارات من خلفي بيدي وصوتي قائلا: تعال سق مكاني، ألا ترى المشاة؟.. فما كان منهم إلا الهدوء فجأة وكأن على رؤوسهم الطير! 

       

      نحتاج إلى التذكير، وإن الذكرى تنفع المؤمنين!

  2. أبو عمر

    شكرا جزيلا لك أخي حسام على المقال وفعلا ماحصل لأبي خالد ولك قد حصل لي قبل ذلك وكنت أحد ضحايا السيارات في يوم من الأيام فقد صدمت وأنا أمشي على رجلي وذلك لقلة فعندنا قلة وعي شديدة بحق المشاة في الطريق سواء من الدولة أو من الناس . إشارة بسيطة أرى أن تحاول تغيير الجملة التي في بداية المقال بغيرها التي ذكرت فيها هل يعي الرسول ﷺ إلى آخره. فكنت تستطيع الوصول لما تريد أن تصل إليه من سؤال وتقرير بغير هذه الجملة فهي غير مناسبة للحديث عن أفضل البشر ﷺ وشكرا جزيلا لك.