هل السيارات عدو؟
المنظمات أو الشركات ملزمة بوضع نظام للسلامة وتطبيقه بكل صرامة لحماية الموظفين وعدم تعريضهم للخطر. وفي هذا السياق فعلى الشركة أن تحدد مصادر الخطر وتقيم درجة الخطورة وبناء عليه تحدد طريقة التعامل مع هذا الخطر والتحكم فيه والحد منه. وبناء على ذلك يتم تصنيف الخطر عدة تصنيفات منها التصنيف حسب درجة الخطورة (شدة الخطر) إلى خمس درجات. أدناها ما يسبب جرح خفيف أو تخريب قليل للمتلكات وأعلاها (الخامسة) ما يمكن أن يتسبب بالقتل أو العاهات لعدة أشخاص وتدمير للممتلكات. والتصنيف التالي إحتمالية الوقوع وتقسم لخمس درجات أيضا أدناها نادر الحدوث وفرصة حدوثه لا تكاد تذكر (مرة كل خمسين سنة مثلا) وأعلاها (الخامسة) وهو تأكد حدوثه (مرة في اليوم مثلا)، ويستخدم هذين التصنيفين في شبكة أو جدول الخطر لتصنيف المخاطر بناء على شدتها واحتمال وقوعها.
وطرق التحكم في الخطر تصنف وترتب تسلسليا كالتالي: الإزالة (إزالة الخطر أو مصدر الخطر تماما)، ثم التغيير (أي تغير الجهاز أو المكان مثلا بحيث يزول الخطر)، ثم التحكم الهندسي (القيام ببعض التغيرات الهندسية على مصدر الخطر بحيث يزول الخطر)، ثم التحكم الإداري (كوضع قواعد وعمليات لتقليل التعرض للخطر مثلا)، وأخيرا أدوات السلامة (استخدام أدوات السلامة لمنع أو تقليل الخطر إذا حدث لا سمح الله). فهذا ترتيب تسلسلي لا ينبغي القفز إلى الحل التالي إلا لدواع وأسباب ومنطق مقبول.
والآن دعنا نطبق تلك المقدمة على السيارات. فخطر الموت والإعاقات وفساد الأنفس والأموال بسبب السيارات لا يختلف عليها اثنان ولا يتناطح فيها عنزان فهي تجاوزت أعلى درجة وهي الخامسة، وفي الاحتمالات فهي أيضا في أعلاها أي الدرجة الخامسة وزيادة حسب الاحصائيات في المملكة فعدد قتلى السيارات يوميا أكثر من عشرين قتيلا والحوادث الخطيرة أكثر من مئتي حادث خطير يوميا. فهي خمسة في خمسة. وفي ظل هذا الواقع فما هي الحلول والجهود المبذولة لمنع هذه الكوارث أو التحكم فيها؟
نعم هناك مليارات تصرف لبعض المشاريع أو القرارات، ولكنها في سلسلة طرق التحكم بالخطر تصب غالبا في أدناها أو تميل إلى أدناها، فهي إما دعوات لاستخدام وسائل حماية كحزام السلامة أو أكياس الهواء، أو أنظمة وقوانين ووعي ساذج سطحي ونادرا ما تتجاوز ذلك إلى الحلول الهندسية أو التغير فضلا عن التفكير في إزالة أصل المرض والخطر وهي السيارة ذاتها وبالذات داخل المدن! فضلا عن وجود دراسات تدل على أن كثير من تلك الجهود تركز على المخالفات وليس التحكم في الحوادث والخطر ووجود ما يدل على أنها مشاريع للجباية والرقص على جراح الناس والاستفادة من الواقع (كشركات التأمين والمخالفات المرورية وساهر) وليس حمايتهم. قارن ذلك أيضا بالجهود المبذولة في مواجهة الإرهاب أو الكوارث أو الأوبئة وقارن أين تلك في شبكة الخطر مقابل الجهود (وإن كانت أيضا قاصرة) في مواجهتها، وقارن ذلك بالسيارات (تستحق أن تبحث وتدرس).
لعلي في مقالات أخرى تحدثت عن معنى الوسم ( #لا_للسيارات ) وأنها دعوة للتفكير خارج الصندوق، ودعوة لمواجهة حظوظ النفس من كبر وترف، وإيجاد حلول ترتكز على الحد من السيارات تواجدا واستخداما. والأفكار كثيرة فمنها تفعيل فكرة ومبادرات مدن بلا سيارات، ومنها التنبه إلى خطورة #ثقافة_سيار وأثرها في مشاريع الطرق وأنظمة المرور، ومنها إعادة النظر في السرعة المسموحة داخل المدن، ومنها مشاريع تتعلق بإعطاء رخصة قيادة السيارة، ومنها مشاريع تتعلق بإعادة النظر في حق المشاة والبدائل الإنسانية للتنقل في المدن كالدراجات، وغيرها كثير إذا اجتمعت العقول وصدقت الرغبة في وقف نزيف الدم وإزهاق الأرواح وهدر الأموال.
رائع
لقد سافرت لأكثر من دولة غير عربية ووجدت أن الحوادث هناك شبه منعدمة بعكس بلادنا السعودية تجد التهور والسرعة والهمجية وعدم الالتزام بالمسار والقفز فجأة من مسار لآخر وقلة الصبر بل ورمي المخلفات من السيارة وهي تسير. فوجدت أن المسألة ثقافة شعب لا يحترم الآخر!
السيارة وسيلة نقل بريئة من تصرفاتنا وسيلة نقل غيرت العالم للأفضل ونحن جعلناها وسيلة قتل بتصرفاتنا الهمجية.
عندما تجد السيارة متوفرة بيد الأطفال والمراهقين بشكل مبالغ فيه فاعلم أنك في السعودية. عندما تجد هاتف ذكي بيد رضيع فاعلم أنك في السعودية. عندما تجد مخلفات كبيرة ترمى بعد الأكل والتنزه فاعلم انك في السعودية.
صدقني يا أخي انت تظلم السيارة التي هي مجرد أداة وتترك اليد التي تتحكم بها دون لوم وعتاب.
لنفترض أن الشعب لدينا أصبح واعيا بحقوق الاخرين وأصبح شعبا راقياً يقود سيارته بهدوء للضرورة القصوى فهو قد تجهز لمشواره قبل الموعد بوقت كافي جداً فهل ستجد ما تجده من معاناة؟!