أخبر رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم أنه يأتي زمان يُخذل فيه المسلمون، ويتبعون من سبقهم حتى في تفاصيل دقيقة: (لتَتبعن سنن الذين من قَبلكم، شِبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جُحر ضب لاتبعتموهم). وأنا هنا لا أسوق هذا الحديث تقريراً لواقع، واستسلاماً له، فليس هذا من ديننا في شيء؛ فأمثال هذه الأحاديث تؤخذ للتحذير والانتباه!. لقد تحدث العلماء شرحاً لهذا الحديث فيما يتعلق بشؤون الدين، أما حديثي هنا يتعلق بأمور الدنيا وتصريف حياة الناس، والانتباه من التقليد وفقد الإبداع تبعاً للشخصية الضبية.
الشخصية الضبية تسمية أطلقها الأستاذ نزار محمد عثمان في مقالة له بعنوان: جماليات جحر الضب!. ولعل التسمية تتناسب هنا لما لها من وصف دقيق في هذا الباب. فمن يعيش حياته مقارنات -هم ونحن، العالم المتقدم والعالم المتخلف، الحسن عندهم والسيئ لدينا… كل شيء عند الآخر “واو wow” وكل شيء عندنا لابد أن يعتريه نقص وعيب…!- شخصية ضبية لا همَّ لها غير اللوم والشكوى والبحث عن التقليد؛ أما الأفكار الإبداعية، وتقديم حلول تتناسب مع البيئة المحيطة، أبعد ما تكون عند الشخصية الضبية!.
الطرق التي يُقوِّم عليها الآخرون تصريف شؤون حياتهم ليست معياراً عالمياً ينبغي على الجميع الالتزام به وتنفيذه، وليست بالضرورة صلاحية تنفيذها في مكان أن تصلح للتنفيذ في مكان آخر. فينبغي أن يفكر المرء في أمور أخرى نابعة من بيئته أو تتأقلم معها؛ فمن هنا تنشأ الأفكار الإبداعية. نعم تستفيد من طرق الآخرين، ولكن ليس التقليد هدفاً، بل التفكير المبدع وإنتاج ما يتلائم مع البيئة، لأن الأول لا يكف عن اللوم والشكوى، في حين الآخر يبحث عن الحل وتيسير تطبيقه!.
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة، أترككم في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.