توقف أحد اللطفاء عند باب مدرسة ولدي عبدالله ليسألني: «وين عايش؟! في اليابان؟!» ثم أردف: «الجو هنا ما يساعد لاستخدام الدراجات، شمس، وحر، فوضى مرور …».
كان حواري مع هذا الرجل اللطيف ممتع، ووجدت أنه:
- لم يقد دراجة في اليابان
- لم يزر اليابان
- لم يقد دراجة في جدة
إذًا؛ من أين أصدر هذا اللطيف حكمه أن ركوب الدراجات صالح في اليابان، وغير صالح في جدة؟! يظهر لي أنها تصورات نظرية صنعها في ذهنة، وجعلها التركيز مشكلة. فالأفكار التي تدور في الرأس، والتركيز عليها، يحددان شكل حياة المرء، فمن يفكر في أمور سلبية، ويركز عليها، لا يفارقانه اللوم والشكوى! وعكس ذلك تمامًا، التصورات الإيجابية تدفع التذمر، وتجلب العمل. وهذا أيضًا ما يفسر نظرة كثير من الشباب إلى أمور كثيرة عند سفرهم إلى دول ينظرون إليها منارات تقدم، ومحط أنظار حضارة، فترى أعينهم كل ما هو جميل وحسن؛ مبعثها الأفكار الإيجابية التي تحملها عقولهم تجاه هذه الدول، يقابلها تصورات سلبية تختزنها عقولهم نحو أوطانهم، تَحُد من قدراتهم على رؤية أمور حسنة، والنتيجة؛ لا عمل، لوم وإلقاء مسؤولية، تذمر وشكوى، كله في انتظار عصى سحرية تغير الوضع الذي يرونه سلبيًا!.
لنتذكر أن التغيير لا يأتي من الخارج، التغيير الحقيقي مبعثه الداخل، مبعثه ما نختزنه من أفكار داخل عقولنا!. ومن هنا يحسن قول القائل: «نوعية أفكارك تحدد شكل حياتك». ولقد مررت بموقف يدلل على صحة هذه العبارة بالنسبة لي، بينا كنت واقفًا عند إشارة مرور بعد ظهر أحد الأيام، لمحت أحد الأخوة الأفاضل مع ثلاثة أطفال، تبدو من ملامحه أنه سوداني، يقود سيارة كرسيدا أحسبها إنتاج عام 1990، غير مكيفة، والعرق يتصبب من جبينه، في حين أن الابتسامة لاتفارق محياه! يقابله آخرون بسيارات حديثة ومكيفة، لا يكفون عن طَرق منبهات سياراتهم، ويبدو من وجوههم الإنزعاج والتذمر! فما الذي جعل هذا يظهر مرتاح البال، مع أنه بسيارة قديمة غير مكيفة في قائلة الظهر، بينما أولئك الذين يركبون أحدث السيارات يظهر عليهم الانزعاج؟! إنه ما تحمله الرؤوس من أفكار!.
القضية ليست أنه لا يوجد مشاكل أو سلبيات، ولكن لماذا نختار تنغيص حياتنا وتكديرها بالتركيز على أمور لا نملك سيطرة عليها؟! الأمور التي لا تقع تحت سيطرتنا، وليس لنا القدرة على تغييرها، أو إحداث تأثير عليها؛ فلنبعدها عن استهلاك طاقات أدماغتنا!. عندما نركز على أمور نقدر على إحداث تغيير عليها، أو التأثير فيها؛ نستطيع أن نقدم وننتج. وإذا أردنا تقليص الأفكار السلبية التي تستهلك طاقات أدماغتنا، فلنتذكر هذه العبارة: ليست مهارة أن تشير إلى وجود مشكلة، كل الناس يستطيعون ذلك، حتى الأطفال يستطيعون؛ المهارة الحقيقية أن تشير إلى وجود مشكلة، مع اقتراح حلول لمعالجتها، والإسهام في تنفيذ حلولك المقترحة.
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة، أترككم في حفظ الله ورعايته ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.