كان عدي بن حاتم الطائي أحد ملوك العرب الذين لم يفهموا رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يعتقدُ عديٌّ أن محمدا يريد ملكا وأن يصبح قويا وصاحب سيادة ومتحكما في خلق الله. كان يظن عدي أن محمدا يريد أن يكون تاجرا كبيرا يبيع الدواب على الناس حتى يتنقلوا على الجمال، ويصبح أغنى الأغنياء! لكن عدي اكتشف أن رسول الله يريد أن يبني حضارة لم تبنى في تاريخ البشرية، ومدينة لم تساوم في شيء من حقوقها، إنها رسالة الإسلام التي بها السعادة والهناء. تخيل نفسك وأنت تجلس في مكتبك، وتدخل زوجتك عليك وهي تقول لك: “سأذهب إلى مكة مشيا وأرجع بعد شهور، توصي بشيء!”، وترد عليها قائلا: “ادعي لي أنتهي من كتابة هذه الرواية!” طبعا حلم وخيال وبعيد عن الواقع. فأين المشكلة وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلم؟ بل كان يرى، ورؤيا الأنبياء حق، لا يفهمها غافل.
حدثني محمد بن الحكم أخبرنا النضر أخبرنا إسرائيل أخبرنا سعد الطائي أخبرنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فليقولن له ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا [ ص: 1317 ] يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشقة تمرة فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عاصم أخبرنا سعدان بن بشر حدثنا أبو مجاهد حدثنا محل بن خليفةسمعت عديا كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الظعينة كانت تسافر من العراق دون خوف من الشارع، ودون خوف من قطاع طرق، ودون تكلفة، أمن وأمان ورخص. ليست القضية أن تذهب المرأة مشيا، القضية أن نكون في بيئة يستخدم الناس السيارات رفاهية وليست إلزامية. يعني هذه الظعينة من العراق كان يمكنها أن تؤجر من يحملها أو أن تشارك في قافلة، لكنها لم تكن مضطرة إلى ذلك بسبب سهولة السفر في ذلك الوقت وقلة تكاليفها. هذه الظعينة في ذلك الوقت قد تستخدم الوسائل المتقدمة في التنقل رفاهية وليست اضطرارية! قارن ذلك باليوم، فأنت لا تستطيع الذهاب إلى المسجد مشيا بأمان وبدون تكاليف، فأنت مضطر إلى شراء سيارة والبحث عن الموقف والخوف من المتهورين!
الرسالة: إذا أردت بناء الحضارة فعليك بتعبيد الطريق للضعفاء أولا ليتمكنوا من التنقل من غير خوف أو تكلفة قبل الالتفات إلى تعبيد الشوارع للسيارات. فرق بين بلدية تهتم بالضعيف أولا وبين ثقافة وبلدية وقانون يخدم أصحاب الأموال والتجار! الأولى تبني حضارة والثانية تبني قصرا فوق الرمال!
مراجع حديث الظعينة