يشن محبو المشي وثقافته حربا إعلامية ضد الأمانات والبلديات التي تضع المشاة في القائمة الدونية لدى اهتماماتها. فترى الناشطون يصورون حفر الطريق والأرصفة السيئة والبنية التحتية التي لا توفر للإنسان طريقا للتنقل الآمن. ومما يؤسفني حقيقة عدم الوعي من الغالبية بأن المشكلة وحلها ليس بيد الأمانات ولا البلديات. والطريق إلى أنسنة المدن تحتاج إلى مرجعية حقوقية وناشطون حقوقيون يتحملون الصعاب من أجل قضيتهم. ومما يزيد الطين بلة عدم معرفة الكثير من النشطاء بالتحديات والمخاطر والفرص ونقاط قوتهم وضعفهم ليتحركوا في طريقة مثلى ليحققوا النتيجة!
أما د. صالح الأنصاري الذي ينشط في توعية المجتمع بفوائد المشي منذ عام 2011 على حساب التغريد والمؤسس لمركز تعزيز الصحة، فقد أبدى الأسى في جريدة الرياض أن توعيته وتشجيعه للمشي يصب في طريق الرياضة إذ أنه يدعو الناس لركوب السيارة من بيتهم إلى ممشى اصطناعي كي يمارس الناس المشي بأمان! فكيف السبيل إلى جعل المشي ثقافة وليس رياضة؟
ومن هذا المنطلق يستغل بعض المهندسين الطلب المتزايد على المشي بإلقاء الأطروحات على البلديات التي تنتظر المشاريع والأفكار من المجتمع ليكون لها الفرصة في تشغيل المال الذي يصب في محصلاتها السنوية. فهل هذه المشاريع نجحت أو لها فرصة النجاح؟ أم هي مشاريع تعزيزية لرياضة المشي؟
الخلايا الزرقاء سياسة متبعة في الوطن العربي! | |||
السيارة | المشي | الدراجة | |
الرياضة | |||
الثقافة |
كلي ثقة أن التصميمات موجودة إلا أن البلدية في النهاية لا تنفذ إلا المشاريع التي تخدم الثقافة المتبعة والرياضة المرغوبة. فثقافة سيار تفرض نفسها على مجتمعنا الذي يجعل من المشي والدراجة وسيلة ترفيهية رياضية. فتجده يصمم الشوارع لتوافق ثقافة السيارات، وحلبات خاصة لممارسة الرياضات! فعندما تطالب بالمسار المخصص للمشاة، فأنت في الحقيقة تطلب ما يطلبه ثقافة سيار نفسه، أن يكون هناك ملعبا رياضيا بعيدا عن الشوارع ليمارس المشي لهوا ورياضة وليس ثقافة! هل يطلب السيارون حلبات خاصة لممارسة ركوب السيارات مثل حلبة ديراب؟ لا أعتقد ذلك! فلماذا تطلب مسارا خاصا معزولا للمشاة؟
أما لو حاولت أن تأخذ بحق المشي والعبور من الطرقات المخصصة للسيارات، فلن تجد احتراما لأن المنظومة الحقوقية في وطننا قائمة بأن الأولوية في شوارعنا للأقوى صاحب المركبات والسيارات، فلو وقع التظلم بين الماشي والسيار لوقف رجل المرور عادة مع السيار ليخرج من مسؤولية الحادث! وبهذا تتكرس أولوية السيار نظاما وبالقانون وخاصة أن أغلب المشاة هم من الطبقة العاملة الجاهلة الفقيرة التي لا تستطيع الدفاع عن حقوقها في المشي. أما ثقافة سيار فهي سعودية خليجية بامتياز ولا ترى الخطأ في ذلك! فلا نستطيع أن نلوم البلدية التي في النهاية تركع لمتطلبات الأقوى والذي يتبع النظام والثقافة السائدة بتوفير شوارع للسيارات أولا!
فما الحل؟
الحل أن تتوقف أخي الناشط عن مطالبة البلديات والأمانات بـ “حقوق المشاة” بتوفير الحلول الشكلية الهندسية الرياضية التي لا تسمن ولا تغني من جوع وخاصة أنها تصب في مصلحة المقاولين التجار والمشاة الرياضيين ليس إلا! فكلمة “حقوق المشاة” في هذا السياق ليس إلا كلمة حق أريد بها باطل وهو تشغيل المال العام في مشاريع فارهة! توقف عن استخدام حوادث الدهس مبررا لطلب جسر مشاة! بل توقف عن المطالبة بجسور المشاة لأنها تستغل ضد حقوقك! فأنت هنا لا تخدم المشاة إنما تخدم المقاولين والبلديات وتسلب حق المشاة في المشي على الأرض وتدعم ثقافة سيار! تذكر أن التوعية بفوائد المشي التي يمارسها الكثير تعتبر وسيلة مجانية يستفيد منها المقاول مباشرة لتمرير مشاريعهم التي لا تخدم حقوق المشاة، ولا تخدم مصالحك، ولا تعود عليك حتى بالمال! يعني أنت تتعب وتطالب وتشتكي والأمانة والمقاول هو المستفيد الحقيقي، ولا يعود لك شيئا حقيقة! فشكرا لك!
ابدأ بالدفاع عن حقوق المشاة الأصليين الفعليين الذين يمشون فعلا في الأرض متنقلين بأرجلهم، وربما أكثرهم من العمالة الفقيرة المستضعفة، دافع عن قضايا الاعتداء والدهس والإرهاب لدى المحاكم الشرعية، طالب بالعقوبات ضد ثقافة سيار سواء كان متهورا أو كان خطأ مروريا! طالب بسحب الرخص والسجن ومصادرة السيارات والتشهير عند سلب حق الماشي، ارفع القضايا ضد البلديات التي قطعت طريقك أو وفرَّت الطرقات للسيارات وسلبتها منك. فبهذه الطريقة يعاقب المسؤول بدفع الحق العام لك وتعويضك بالمال، بدل صرفها إلى مقاولين يستفيدون هم منها ليضعوها في “إنجازاتهم”! هذه القضايا كفيلة بقلب الكفة ليبدأ المسؤول فعليا بإعادة الخطط الكفيلة بحفظ حق الماشي لأنه لا يريد قضايا ضده يخسر من ميزانية البلدية الكثير. افهم اللعبة وخاصة أن شريعتك تعطي الماشي الأولية! فمتى تغير طريقتك وتبدأ ممارسة حقك الفعلي؟
هل الطريقة صعبة؟ نعم الطريق صعب ويحتاج للرجال والقوة والصبر، والمدن الأوربية التي غيرت واقعها من ثقافة سيار إلى مدن إنسانية ليست أقل منك قوة! فتوكل على الله، وثق بقضيتك، وثقف نفسك، واعمل فلا تتوقع التغيير سهلا! أما إن كنت من ضمن ثقافة سيار في الأصل، فلن تعزز إلا إلى رياضة وممشى المشاة!
مقالات متعلقة:
عشرون سببا لرفض مسارات الدراجات المعزولة!
كلام من ذهب! آمل يتطبق على أرض الواقع
كلام جميل
لي بعض الملاحظات.
عند النظر لمشكلة؛ جيد النظر لها من جميع الجوانب، والبحث عن جميع العوامل المؤثرة، والعوامل المساعدة لمعالجتها. هناك من يرى الحل بيد البلدية ويتأسف على عدم تحركها، وهناك من يرى المشكلة في عدم وجود مرجعية حقوقية، ويتأسف على عدم الوعي بذلك! جيد أن نطرح عدة عوامل تتضافر فيما بينها لمعالجة المشكلة بدون إلغاء اقتراحات الطرف الآخر. جيد أن نتحرر من فكرة العامل الوحيد والسبب الواحد… فالاقتصادي ينظر لمشكلة ما من وجهة نظره الاقتصادية، ويظن أن وفرة المال كفيل بحل المشكلة، والتربوي ينظر لها من وجهة نظر تربوية، ويحسب أن التربية وحدها كفيلة باقتلاع المشكلة من جذورها، والمهندس والقانوني… فجميل النظر من جميع الجوانب لتتكامل الأطروحات لا أن تلغي واحدة أخرى! بالتأكيد هناك آخرون يرون أسباباً أخرى غير البلديات والمؤسسات الحقوقية… فجيد تكاملها وتعاون أصحابها مع بعضهم للخروج بفائدة.
يظل للجسور والمسارات الخاصة بالمشاة أهميتها، وليس بالضرورة مطالبتنا بأمر أن نتوقف عن الآخر! هذا يذكرني بأحد الأخوة ظل يترصد أخبار أمانة جدة لإنشاء وافتتاح حدائق الأحياء، فظل يطالب بالتوقف عن الشكليات بإنشاء حدائق الأحياء والاهتمام بالبنية التحتية! وهل الاهتمام بالبنية التحتية مربوط بالتوقف عن إنشاء الحدائق؟! طالب بما تريد بدون ربطه بإلغاء أمر آخر يمثل أهمية كبيرة لدى آخرين!.
كما أسلفت في توضيحي عن السبب الواحد والحل الوحيد، ينبغي أن ننتبه أن ما نطرحه يمثل اقتراحاً قد يُسهم في الحل، وليس هو بدوره الشيء الوحيد الذي يمثل عصا سحرية! الاقتناع بهكذا أمر يخفف من حدة نقاشاتنا والتمسك بآراءنا في مقابلة ما يطرحه الآخرون، ويُسهم أيضًا في البحث عن التكامل لا التضاد.
وفقك الله
أتفق معك تماما، فمن الواجب النظر إلى المشكلة من عدة مستويات قبل الشروع في حلها. وأعتقد أنك تتفق معي أن النشطاء في هذا موضوع ثقافة المشي، كما ذكرت في المقال، يهتمون بالهندسة والشكل بدون الحقوق. ولذلك أركز في مقالات عدة على الحقوق لغفلة الغالبية عنها. هذا من جهة. ويا ليت أن نفس تعليقك يصل من يُسوّق أن المشكلة هندسية فيطالب على حساب الدولة المقاولين والبلديات بتنفيذ مشاريع دون إصلاح قانوني!
الجهة الثانية أن الحقوق أهم من الأمور الإدارية، والإدارة أهم من الهندسة، والهندسة أهم من الشكليات. فإذا كنا نهتم للحدائق دون البنية التحتية فما بُنيَ على باطل فهو باطل. وجدة وغرقها ومثالك يصب في موضوعي، إذا كانت منظومة الحقوق مختلة، فلن تنفع جميع الحلول الشكلية.
أنا في النهاية لست اقتصاديا ولا حقوقيا، أنا متخصص نظم معلومات وبرمجة، ولا أدعي أن حلول مشاكل العالم تقنية وحاسوبية، وإنما ألقيها على عاتق الحقوقيين أولا! ولذلك أدعو جميع أهل التخصصات المختلفة للاتحاد على الحقوق أولا، وبعد وضع الأساسات تستطيع البناء، حتى لا نبنى قصرا فوق الرمال.
نحن ضد جسور المشاة. إذا وُجد الجسر في الشارع، تستباح دماء المشاة لمن يعبرون أرضا. ما فائدة الحل الهندسي إذا كان يزيد المشكلة سوء ويضيع حقوقي. أعطني جسرا، لكن بعد أن تضمن لي حقي في الأرض.
وفقني وإياك الله!